كنت واثقةً أنّ المؤتمر الوطني الذي ظَلّ يلف ويدور على الشعب السوداني 28 سنة لديه خُطة مَا لإرضاء جميع من شاركوا في الحوار كما وعد، رغم أنّ الأمر مُستحيلٌ في أيةدولة أخرى في العالم، وسرحت بخيالي إلى أبعد ما يكونأتخيّل الحيلة التي يُمكن أن تحقق له هذا الأمر، فعدد المُشاركين كَبيرٌ ولن تتحمّلهم المناصب حتى ولو)شمّاعة(، ولكن لم يخطر ببالي أبداً أنه سيُقدّم تعويضٌ ماديٌّ لمن لم أخرجتهم الزحمة من المناصب ويرشيهم جهراًمن حُر مال الشعب، المؤتمر الوطني لم يأتِ بسلوكٍ غريبٍ وهو أصلاً لا يريد أن يثبت أنه شريفٌ، ولكن ماذا عن الذين ادعوا الشرف وشاركوا بشعارات الوطنية، قطعاً الأمر يثبتبما لا يدع مجالاً للشك أنّهم ما شاركوا في الحوار إلاّ من أجل المكاسب الشخصية، لأنّ الطبيعي هو أن يتقبّل الذينلم يجدوا مناصب الأمر بصدرٍ رحبٍ ويتمنوا للآخرين النجاح وكلٌّ يذهب إلى حال سبيله، فأبواب الدنيا لم تغلق أمام أحدٍ، ولكن هذا لم يحدث.. وبعد إعلان تشكيل الحكومة مُباشرةً نشبت أزمةٌ بين المؤتمر الوطني ومن خرجوا، فماذا حدث؟.. تخيّلوا!بالأمس ورد خَبرٌ في صحيفة )التيار( بأنّ المؤتمر الوطني تمكّن من احتواء الأزمة التي نشبت بينه وبين بعض الأحزاب التي لم تدخل في حكومة الفشل الوطني، ووصل التفاهم مع عددٍ من تلك الأحزاب التي لم تجد مقعداًوزارياً أو برلمانياً بتعويضهم بتسوية مالية، وبعضٌ مُنح خطابات لشركة جياد للحصول على عربة وأن عدد هؤلاء غير محدد، وعليه سيتحمّل الشعب السوداني أعباء من وجدوا مناصب بعد أن وسع المؤتمر الوطني الحكومة لأقصى حدٍّ مُمكنٍ، وسيتحمّل الرشوة التي ستُقدّم لمن لم يجدوا مناصب، وسيتحمّل أيضاً فشل الحكومة في إدارة البلد، وعليه الحوار الذي قيل إنّه سيحل كل مشاكل الشعب السوداني سيكون وبالاً عليه، بل )ميتة وخراب ديار(!لن نسأل المؤتمر الوطني لماذا يفعل هذا، وماذا سيكسبلأن هذه هي سياسته ونهجه الذي عُرف به منذ أكثر من ربع قرن، ولم نَعد نندهش لكل ما يفعل مهما كان، فهو في سبيل السلطة والجاه فَعلَ وسيفعل ما لا يخطرعلى بال إبليس، ولكن لماذا يقبل من لم يحالفهم الحظ بالتعويض ويظهرون بهذا السلوك القبيح أمام الشعب؟ لا شك أنّهم تعلموا التبرير ونالوا خلال فترة الحوار خبرة في التبرير واللف والدوران!لم نسمع في تاريخ البشرية أن هناك أحداً تَمّ تعويضه مادياً مُقابل حَلٍّ سَلمي لمُشكلة دولته شَارَكَ فيها بمحضإرادته، ولكن يبدو أنّ الفساد أصبح وباءً ينتقل من المؤتمر الوطني حامل الفيروس إلى كل من يتواصل معه عبر أية وسيلة.. وعليه فكل من شارك في الحوار نال شهادة فساد بتميز زمن أجل الخلاص استعدوا.