الحائط الاسمنتي صامد هناك، يكابد في كبرياء فراغ المكان، غزا الانكسار ملامحه، فتساقطت بعض تفاصيله، أعلى جبينه يسكن مسمار، غاب نصفه في عظم الجدار، وبقي النصف الاخر مزهوا، تساءل كثيرا مع نفسه عن سر تواجده في هذا المكان و عن سبب اختياره من دون كل المسامير ليكون مشجبا تُعلق عليه ذكريات الاخرين و أحيانا أخطاءهم، تململ في مكانه ، وحاول إخراج نصفه الاخر من بين عظام الجدار المثقل بالسنين ، لكن صلابة الاسْرِ وطول مدته اصابت جسده الهزيل بالضَّعف و الصدإ ،فتحَوَّل لونه الفضي إلى السواد، حين يحل المساء كان يسترجع ايامه الماضية ، يوم كان جزءا من احلام الاطفال وألعابهم تداعبه اناملهم وانفاسهم، كان يحس حقا أنه يحمل بين ذراعيه العالم بأسره، سقطت دمعة من عينه الواحدة، تحسسها و شعر بملوحة غريبة ممزوجة بها، ربما إنه ذوق الصدإ الذي طاله و سيطر على كل أجزاءه، الليل كما العادة يمر كالنهار على الجدار الاسمنتي، و على كل تفاصيله، فلم تعد تقلبات الزمن شيئا ذا أهمية له،مادام الظلام سيد الموقف وصاحب القرار فيه، المسمار في الاعلى يراقب و يترقب حلول الصباح، طال الانتظار وبدأت جذوة الامل تخبو في عودة نور الشمس ليعانق أركان الحائط الاسمنتي، وفي عودة الاطفال لرسم شخبطاتهم بالطبشور أو بقايا الفحم عليه، قد غادر الجميع المكان وعاد وحيدا إلا من جدار يعانق مسمارا ثائرا عليه صورة شبح يبتسم للفراغ.السعيد بابا ) سعيد جاد محمد ( ورزازات المغرب