لم يحدث أن وقف المراجع العام المكلف بمراجعة حسابات الدولة أمام البرلمان دون أن يطعن في شرف ونزاهة الحكومة، صحيح هو لم يقل ذلك صراحة، ولكنه أثبته من خلال تقاريره التي توضح حجم الفساد والجرائم التي ترتكب في الحق العام، هو دائماً ما يصف الأمر بتجاوزات واعتداءات تجملاً رغم إنها أبشع أنواع الجرائم والظلم، وحين قدم تقريره نهاية العام 2014 أدان جميع المؤسسات بلا استثناء إبتداء من المالية حتى تلك المسماة دينية مثل الزكاة والأوقاف والحج والعمرة، ومن أعجب ما خرج به ذلك التقرير أن هناك أكثر من 5 ترليون جنيه أُخذِت كعهد وأمانات ولم يتم ارجاعها أو تسويتها ولم نعلم ما هومصيرها حتى الآن، ويبدو إنها لم تسترد ولن نسترد، حينهاقال السيد وزير المالية بدر الدين محمود إن تقرير المراجع العام ليس للتجريم وإنما للتقويم، وتمر الأيام و ولم يستقيم أداء ولا مسؤول.هذه المرة لم يقف المراجع العام أمام البرلمان ليقدم تقريره مثل كل عام بل قدم رئيس لجنة الشؤون الاقتصادية بالبرلمان تقريراً عن تقرير المراجع العام لحسابات الدولة للعام 2015، ورغم إنهم سكبوا عليه كمية من مساحيق التجميل، إلا إنه جاء أيضاً يحمل نفس الشبه والملامح إعتداءات وتجاوزات تكررت بنفس التفاصيل،الحصيلة النهائية أموال طائلة من الحق العام يمكن أن تغير حال البلد يستولي عليها أفراد كلهم في دائرة المؤتمر الوطني.التقرير قال إن حجم الاعتداء على المال العام خلال الفترة من سبتمبر 2015 وحتى أغسطس 2016، بلغ أكثر من 7 مليارات جنيه، مما يعني عملياً أن الحكومة لم تقم بأي مجهود لتقويم نفسها وإنها مستمرة في نهب خزائن الدولة المفتوحة لكل مسؤوليها بلا ضوابط ولا قوانين، بدليل أن المراجع العام اتهم الوحدات الحكومية بعدم الالتزام بالقوانين مما أدى إلى تسهيل الاعتداء على المال العام، حيث ارتفعت المخالفات المالية وضعفت الشفافية والمصداقية في التقارير والمعاملات، بل حتى وزارة العدلنفسها المنوط بها حماية القانون والعدل اتهمت بتجاوزات ومخالفات تتمثل في عدم توثيق العقودات من الجهات المختصة، أي إنها تحمي المفسدين.السؤال الذي يفرص نفسه الآن مقابل كل هذه الجرائم والفوضى والتجاوزات والاعتداءات ماذا فعل المؤتمر الوطني؟، لا شيء فقط هناك توجيهات تم الإعلان عنها عشرات المرات لمكافحة الفساد وأسست مفوضية خاصة ووضع لها قانون وبعد فترة اتضح إنها )ونسة( مؤتمر وطني بصوت عالٍ لا يمكن ان تتحقق.كل هذه المبالغ التي يتم الاعتداء عليها سنوياً تذهب لصالح فئة محددة من المواطنين لا تتجاوز 1% وهم المفسدون في السودان و99% يموتون فقراً وجوعاً ومرضاً وقهراً وجهلاً وتشرداً وتسولاً ونزوحاً وهجرة، لن يكون للمؤتمر الوطني سيسات فاعلة أبداً فيما يتعلق بأمر الفساد فلا تنتظروه، فالفساد بالنسبة له البيئة الصالحة لحياته إن تغيرت يموت فوراً.